تعليق: المهتم بافريقيا لا يكتفي فقط باطفاء اللهب
صحيفة الشعب اليومية – الصادرة يوم 17 يناير عام 2013 – الصفحة رقم 05
من المهم ضمان الإستقرار في مالي، لكن الأهم هو توفير المساعدات الدائمة، لمساعدة هذه الدولة الإفريقية على التخفيض من حدة الفقر المدقع وتحريك عجلة التنمية.
لقد شهد الوضع في مالي خلال الأيام الأخيرة تدهورا شديدا، بعد أن دخلت القوات الحكومية في مواجهات حامية مع مسلحي الشمال. وبطلب من حكومة مالي، تدخلت فرنسا عسكريا بهذا البلد، ووعد العديد من الدول الإفريقية والغربية بتوفير الدعم العسكري واللوجستي. ما جعل مالي تصبح مصب أنظار الرأي العام الدولي.
وكانت القارة الإفريقية قد أظهرت مؤشرات نمو إقتصادي خلال السنوات الأخيرة، لكن القوى الداخلية الضامنة للتنمية المستدامة غير كافية. وأهم الاسباب وراء ذلك هي المشاكل القبلية والدينية والفقر، التي لا تنفك عن إحداث مزيد من الإضطرابات الإجتماعية فقط، بل تصل في العديد من الأحيان إلى التأثير على الدول المجاورة، ما قد أثر على التنمية في بعض البلدان.
والمتفحص في الوضع، يرى بأن تعقد المشكلة في مالي يكمن في تشابك العوامل الدينية، والقبلية، وتأخر التنمية الإجتماعية والفقر المدقع. وتعد هذه المشاكل متفشية في إفريقيا وخاصة داخل الدول الإفريقية الفرونكوفونية. فالعوامل التي تثير الإضطرابات الحالية في مالي، هي نفسها التي تكمن في خلفيات الإنقلابات التي حصلت في موريتانيا والنيجر ومدغشقر. والقاسم المشترك بين كل هذه الدول، وجودها ضمن حلقة أكثر دول العالم تأخرا في التنمية. وهو ما ألهب الخلافات الإجتماعية، وأضعف إستقرار السلطة، وزاد من صعوبات دفع التنمية.
إن مشاكل إفريقيا لا يمكن معالجتها إلى في إطار الدفع المستمر للتنمية، فمن الصعب إرساء سلام في ظل إنعدام التنمية، لأن المشاكل العالقة، لن تشهد إلا مزيدا من التدهور. وقد مثلت إضطرابات مالي جرس إنذار آخر للمجتمع الدولي، فكيف يمكن مساعدة مالي، لإرساء بيئة تنمية آمنة، وكيف نوفر دوافع التنمية، كل ذلك يعد مهمة جسيمة ملقاة على كاهل المجتمع الدولي لا سيما الأمم المتحدة.
في عصر العولمة الإقتصادية، إذا لم تصبح إفريقيا قطب نمو مستقر، فمن المحتمل جدا أن يكون النمو العالمي غير متوازنا وغير مستداما. وقد ذكر أحد الباحثين الراديكاليين الأفارقة، أن فقراء العالم يمتلكون أيضا 3 أسلحة فتاكة: أمواج اللاجئين التي لا تتوقف، مختلف الأوبئة المعدية والإحتباس الحراري العالمي.
لتحقيق هدف الألفية في التنمية الذي حددته الأمم والمتحدة، فإن العدو الأكبر لتخفيف حدة الفقر في إفريقيا ليس نقص الأموال، وإنما برود المشاعر. وبسبب هذا البرود بالضبط، تم عزل الدول الإفريقية الفقيرة خارج نطاق العولمة الإقتصادية. وخلال الأعوام الأخيرة، ونظرا لإستمرار الأزمة الإقتصادية، كان إلتزام الدول الغربية المتقدمة بقضايا التمنية في إفريقيا، أشبه بمقولتي "العين بصيرة واليد قصيرة" و "جعجعة بلا طحين". حيث لم تلتزم قمة مجموعة الـ 8 التي عقدت في مدينة غلين إيغلز البريطانية عام 2005، ولا قمة نفس المجموعة التي عقدت في كندا سنة 2010 حول دعم التنمية في إفريقيا بترجمة ماوعدتا به على أرض الواقع.
لا ندري كم حجم تكاليف العمليات العسكرية التي تقوم بها فرنسا في مالي في الوقت الحالي ولا في ساحل الحاج سابقا. لكن، الأكيد هو أن هذه الأموال لو أستثمرت منذ وقت مبكر في مساعدة الدول الإفريقية على التنمية، لكانت فاعليتها أقوى من التدخل العسكري.
وفي هذا السياق سبق لمستشار الأمم المتحدة المكلف بهدف الألفية في التنمية أن طرح نداء قبل عدة أعوام قال فيه: لو أن أمريكا وغيرها من الدول الغنية يمدون يد المساعدة، بإمكان إفريقيا أن تتخلص من الفقر، وأمريكا هذه القوة التي تتجاوز نفقاتها العسكرية السنوية مليارات الدولارات، لديها فرصة تقديم إسهامات مستدامة للسلام العالمي، عبر إنقاذ ملايين الأرواح في إفريقيا ومساعدة الناس هناك على التخلص من الفقر المدقع.
إن استتباب الأمن في مالي أمر مهم، لكن الأهم هو المساعدة الدائمة، مساعدة هذه الدولة على تخفيف مستوى الفقر المدقع، ودفع عملية التنمية في هذا البلد، وتمكين شعب مالي من الإستفادة من ثمار التنمية. لذا، يجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهود دعم الإندماج في إفريقيا، ومساعدتها على رفع قدراتها التنموية الشاملة، وتحفيز الإستقرار في إفريقيا، بما يوفر بيئة آمنة للتنمية في هذه القارة.