تعليق: الإرث المروع للعراق ما بعد الحرب يستحق درجة عالية من اليقظة
صحيفة الشعب اليومية ـ الصادرة يوم 24 يوليو عام 2012- الصفحة رقم:02
إن ترويج الفكرة الاستراتيجية من خلال الحرب ،وخلق الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط سيجلب الآثار السلبية الطويل المدى على وضع الأمن ومكافحة الارهاب في العالم بأكمله. وينبغي على المجتمع الدولي أن يكون في حالة تأهب قصوى.
لقد شهدت العراق منذ يومين مسلسل الهجمات الإرهابية على الصعيد الوطني، راح ضحيتها حوالي 300 شخص. حيث تعتبر أقوى الهجمات الإرهابية الدموية التي شهدتها العراق بعد انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق في ديسمبر الماضي. كما أن بصمات " القاعدة " واضحة في سلسلة "الهجمات الإرهابية" الجديدة. مما تزيد حالة اليقين للوضع الأمني في العراق بأكمله حتى منطقة الشرق الأوسط.
إن التعاون والتضامن بين تنظيم " القاعدة" والمعارضة العراقية للنضال ضد الولايات المتحدة بعد شنها الحرب على العراق عام 2003 زاد من قوتهم إلى حد كبير. والمفارقة هي أن تنظيم " القاعدة" في العراق لم يكن يملك فضاءا واسعا للتطوير والنمو قبل أن تشن الولايات المتحدة الحرب على العراق، غير أن الإطاحة بنظام صدام حسين وفرت له مساحة كافية للنمو السريع. واعتبارا من عام 2007، ومن اجل وضع نهاية مبكرة لهذه الحرب المثير للجدل، وتحقيق هدف الانسحاب اللائق، زادت الولايات المتحدة من الإجراءات الصارمة المتخذة ضد المنظمات الإرهابية إلى حد كبير، وإضعاف قوة " القاعدة".
رسمت الولايات المتحدة لوحة لتعجيل من الوقف الكامل للحرب في العراق نهاية العام الماضي. وأعربت واشنطن عن خروج الدفعة الأخيرة من القوات الأمريكية العراق "رافعي رؤوسهم" وسيصبحون جزءا من التاريخ. وهذا يرمز الى "انتهاء فقرة فريدة من تاريخ الولايات المتحدة العسكري"، كما أن " التاريخ سيحكم على قرار خوض الحرب في العراق، وأن الولايات المتحدة مكّنت العراق على القدرة على إدارة نفسها بنفسها". ولكن، صدمت الحقائق الصارخة في العراق هذه الزعامات الجميلة.
إن ظهور تنظيم " القاعدة" يرتبط ارتباطا مباشرا بالحرب في عام 2003. وسقوط القتلى وتدمير المنازل والمواجهة الطائفية وفرت تربة خصبة لانتشار التطرف موضوعيا. وقد ترك ظهور الاضطرابات في غرب آسيا وشمال أفريقيا فرصة نمو تنظيم " القاعدة "في اليمن وأجزاء من شمال أفريقيا وترتفع قوته سريعا والتسلل إلى العراق وسوريا وغيرها من الدول المضطربة.
كما يرى تنظيم القاعدة فرصه الجديدة من الأزمة السورية. وإن الولايات المتحدة ليست الهدف الوحيد لتنظيم “ القاعدة"، بل تحاول الأخيرة أيضا بالإطاحة بالأنظمة العربية الحالية، وبالتالي خلق نظام متطرف أكثر تحفظا.
إن الذي ينبغي الاهتمام به حقيقة هو أن الاضطرابات في الشرق الأوسط تغذي النشاط الإرهابي وانتشاره إلى مناطق خارج المنطقة. وقد اقبل المتعصبون الدينيون في المالي قبل بضعة أيام على تدمير التراث الثقافي العالمي الذي أسمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وأصبحت المرأة لا تجرؤ الخروج إلى الشارع دون ارتداء الحجاب. وباتت المدارس والعيادات والمستشفيات هدفا للنهب والسرقة. في حين أن هذه أخبار سيئة لبلد كان يعيش الهدوء والسلم في الماضي هو من النتائج المباشرة للحرب في ليبيا. فبعد سقوط نظام القذافي عاد جزء من الجيش إلى مالي، وجذب اهتمام تنظيم" القاعدة". كما أشارت المقالات المنشورة في صحيفة "بوسطن غلوب" الأمريكية إلى أنه في السنوات الأخيرة ليس هناك أكثر من هذا كأمثلة حية، ويعني هذا أن هذا الغزو ستكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها.
قامت الولايات المتحدة بالمحاولة اليائسة لشن الحرب على العراق في تلك السنة بالرغم من معارضة المجتمع الدولي. حيث كان الهدف الأمريكي إنشاء نموذج ديمقراطي موالي لها في منطقة الشرق الأوسط، ليخدم خططها الإصلاحية الديمقراطية في المنطقة. ومع ذلك وحتى الآن، فإن قدرة الحكومة العراقية على السيطرة على الوضع لا تزال محدودة، وأصبحت القوات الإرهابية أكبر مخاطر أمنية. ويذكر مسلسل الهجمات الإرهابية في العراق الناس العواقب المتشابكة التي خلفتها الحرب وراءها تظهر واحدا تلو واحد. إن ترويج الفكرة الاستراتيجية من خلال الحرب ،وخلق الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط سيجلب الآثار السلبية الطويل المدى على وضع الأمن ومكافحة الارهاب في العالم بأكمله. وينبغي على المجتمع الدولي أن يكون في حالة تأهب قصوى.