تعليق: العراق تريد اغتنام قمة جامعة الدول العربية لخلق صورة جديدة لها
صحيفة الشعب اليومية ـ الصادرة يوم26 مارس عام 2012- الصفحة رقم:21
ستعقد الجامعة العربية يوم 29 مارس الحالي قمة جامعة الدول العربية في العاصمة العراقية بغداد. وهي أول قمة لجامعة الدول العربية في بغداد منذ عام 1990، وأول اجتماع دولي كبير يعقد في بغداد بعد الحرب في العراق. واستعدادا لهذا الحدث التاريخي، بذلت الحكومة العراقية جهودا كبيرة من أجل التحضير الجيد للمؤتمر، آملة أن تكون هذه القمة فرصة لعودتها إلى مركز الساحة السياسية العربية، وتصبح دولة ذات دور حيوي هام في الساحة السياسية الإقليمية.
إجراءات أمنية مشددة للغاية ـــــــــــ 100ألف من قوات الأمن، وخطة حشد حوالي 200 مركبة مدرعة للحفاظ على الأمن
شهد الوضع الأمني في العراق تدهورا واضحا منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وقد هزت العراق سلسلة تفجيرات في عدد من المحافظات العراقية يوم 20 مارس الحالي، أدت إلى سقوط ما لا يقل عن 46 قتيل وإصابة أكثر من 200شخص.
لكن الحكومة العراقية لا تجرؤ على إهمال الحدث وهي مقبلة على استضافة مؤتمر دولي هام. ووفقا للتقارير،قامت الحكومة العراقية بتحضيرات جد هامة قبل انعقاد المؤتمر،حيث أرسلت حوالي 100ألف من قوات الأمن للحفاظ على الأمن،وتخطط إرسال 200 عربة مدرعة لمرافقة المشاركين الأجانب إلى مكان إقامتهم.
الشكوك تحوم حول نجاح القمة ـــ تباين وجهات النظر المحلية، إمكانية إعادة الاندماج العربي غير معروف
تتوقع الحكومة العراقية العودة إلى الساحة السياسية العربية من خلال القمة، وإظهار للعالم الخارجي بأن الحكومة العراقية الحالية تدير البلاد بشكل جيد، نجاح الديمقراطية والوضع الأمني الجيد. كما كلفت تحضيرات القمة الحكومة العراقية 400 مليون دولار أمريكي لتزيين بغداد، ووضع الزهور في الساحة،وزخرفة الأشجار على الشوارع بألوان عديدة،وتعبيد الطرقات. وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري،أن القمة سوف تجذب أنظار العالم،لأنها تعقد في أكثر لحظات توترا في العالم مثل القضية النووية الإيرانية والقضية السورية. كما قامت الحكومة العراقية بانجازات تاريخية مع دول الجوار لإقناع الدول العربية بالمشاركة،حيث وافقت مؤخرا على تقديم 500مليون دولار كتعويضات للكويت،و 500 مليون دولار كتعويض للعمال المصريين الذين طردوا خلال حرب الخليج،واستأنفت العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية وليبيا. ومع ذلك،يعتقد بعض المحللون أن نجاح القمة ليس بأمر سهل.
أولا، عدم وجود خطاب سياسي موحد في العراق قبل انعقاد القمة. قال نائب الرئيس السني طارق الهاشمي، والذي كان قد سبق واتهم بدعم الإرهاب علنا، أنه يود أن يرى رفض المزيد من البلدان العربية الذهاب إلى العراق للمشاركة في القمة. وقال القيادي في تحالف السياسي السني ورئيس الحكومة العراقية الأسبق وزعيم تكتل "العراقية" إياد علاوي، أنه سيرسل مذكرة إلى الوفود العربية ليعلمهم بضعف حكومة المالكي، وتدهور الوضع الأمني، والاعتقال التعسفي وتهميش المعارضة. وهذا يدل على أن الحرب على مدى تسع سنوات لم تحل الصراعات الطائفية الداخلية في العراق جذريا.كما أن مكتب رئيس الوزراء العراقي اصدر بيانا يوم 24 مارس الحالي،دعا رئيس الوراء نوري المالكي الفصائل العراقية في بغداد إلى عقد قمة مؤتمر للمصالحة الوطنية لحل التناقضات الداخلية للعراق بعد القمة العربية .
ثانيا، شكوك حول إمكانية حل القمة العربية جميع القضايا عمليا. عقدت جامعة الدول العربية يوم 22 مارس الحالي في قاهرة اجتماع تحضيري لقمة جامعة الدول العربية في بغداد، وتم تحديد 10 قضايا رئيسية من بينها الوضع السوري. ومن المسلم به وعلى نطاق واسع،أن الوضع في سوريا سوف يكون على رأس أولويات قمة جامعة الدول العربية. وتأمل دول الخليج بقيادة قطر والسعودية فرض مزيد من العقوبات الفعالة على نظام بشار الأسد،لكن الساحة السياسية العراقية والتي يهيمن عليها الشيعة حاليا،تفكر في الوصول إلى إيران،ولا تأمل في أن تعطي المزيد من الضغوطات على بشار الأسد الشيعي.
ثالثا، إمكانية إعادة دمج العراق في الأسرة العربية لا يزال مجهولا. على الرغم من أن العراق احد البلدان العربية إلا أن 60 % من سكانها من مسلمين الشيعة،لهم أصول عميقة مع إيران، خصوصا بعد الحرب على العراق في عام 2003،حيث وصل النفوذ الإيراني في العراق ذروته. وتأمل دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية في أن تكون علاقات العراقية ـ الإيرانية متنافرة، لكن العراق تأخذ بعين الاعتبار المصالح الفعلية، وأن جزء كبير من الإمدادات من الكهرباء والماء العراقية من إيران،مما يؤكد صعوبة الموقف العراقي.ووفقا للتحليل،إن عدد قليل من القادة العرب الذين سوف يحضرون القمة. واعترف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، أنه طالما هناك ثمانية زعماء عرب يحضرون القمة فإن العراق راض جدا.وحتى الآن تم تأكيد مشاركة أمير الكويت من دول الخليج،واكتفت غالبية الدول العربية بإرسال وفد على مستوى منخفض.
تعالي شكاوي الجماهير ـــــ ازدحام حركة المرور،ارتفاع الأسعار،وانتشار مخاوف أمنية
إن سكان بغداد لا يشعرون بحماسة عالية جدا اتجاه القمة. وقال ياسين أستاذ جامعي أنه مستاء من القمة العربية، حيث يعتقد أن الحكومة العراقية أنفقت أموال ضخمة في الأعمال التحضيرية، وأن زيادة الأمن أدى إلى تفاقم ازدحام الطرقات، وعدم احترام سلوك الناس العاديين في العراق. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة ازدحام المرور أدى إلى زيادة تكاليف النقل، وأصبح توريد الموارد الغذائية أكثر توترا،حيث أدى ذلك إلى ارتفاع سعر الخضار والفواكه المعتادة إلى 2-3 مرات.
كما انتشر بين أبناء الشعب العراقي أيضا قلقا إزاء الأوضاع الأمنية. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية قد أكدت مرارا وتكرارا نجاح القمة، وأن الهجمات الأخيرة لم تهز ثقة الحكومة العراقية لإجراء هذه القمة بنجاح، لكن الناس العاديون يعتقدون أن القمة فرصة للقاعدة التي لن تتخلى أبدا عن تصنيع حوادث مثيرة على الصعيد العالمي، وحتى الإجراءات الأمنية الشديدة لن تخلوا من السهو. ويبقى الأبرياء من المدنيين هم ضحايا الهجمات الإرهابية العنيفة.
إن ما يهم العراقيين العاديين أكثر هي الأسعار والسلامة الشخصية وغيرها من القضايا الأخرى البعيدة كل البعد عن الطموحات السياسية التي تشغل عقلية الساسة.