تعليق: تقرير البنك الدولي يثير إحتجاجات الإكاديميين الصينين
أثار تقرير البنك الدولي "الصين في عام 2030" الذي صدر أمس الأربعاء/29 فبراير / ردود فعل قوية. و إلى جانب إحتجاج "الباحث والأكاديمي المستقل" دو جيان قوه في القاعة التي أصدر فيها التقرير، فقد عبرت الجهات المعنية عن شكوكها العميقة حيال الأسس و الخلاصة التي إستند إليهما التقرير في ما يتعلق بالجزء الخاص بإحتكار الشركات الحكومية. وبذلك أصبح هذا التقريرمثار جدل بين الناس.
هذا الجدل ليس فيه ما هو غير عادي، وسواء صدرت المعارضة عن شخصيات مستقلة أو عن أجهزة حكومية، فليس هناك ما لايبرر هذا الجدل. و المنطلق في ذلك هو إجراء نقاش أكاديمي جدي. و إن أي دراسة، حتى و لوكانت مبنية على نطاق واسع من الوثائق والإستطلاعات، و مهما إعتمدت من النماذج الأكاديمية و تقيدت بالمنطق، و دخلت المراجع المتغيرة، فإن خلاصتها قد لاتتوافق مع النتيجة، و خاصة بالنسبة للتقارير الإستشرافية.
إستشراف النمو الإقتصادي و الإجتماعي الصيني خلال الـ 18 القادمة يعد أمرا صعبا. لأن، و بالرغم من أن النمو السريع الذي شهدته الصين خلال الـ30 عام الماضية لم يكن صدفة، حيث تراكمت خلال هذه المرحلة الكثير من التجارب التطبيقية و النظرية من الجانب الرسمي و غير الرسمي. وهذه التجارب بعد أن نلخصها، و نمحصها و نهذبها، يمكن أن تلعب دورا في التقدم الإقتصادي و الإجتماعي خلال المستقبل، وهذه حقيقة. لكن، علينا أيضا أن ننظر إلى طبيعة المجتمع خلال المرحلة الإنتقالية، و إلى النموذج الإقتصادي الذي يحتاج مزيدا من التحسين، و إلى الثروات البيئية التي سيتم إستهلاكها و إلى منافع الشعب، وإلى تعدد المواقف و السبل في السعي إلى المصالح، مما يضيف الكثير من عوامل عدم اليقين على التطورات التي سيشهدها المستقبل، و هذه أيضا حقيقة.
ولهذا، فإن دراسة و مناقشة الطريق المستقبلي، وفقا لتعديل المنظومات الإقتصادية و الإجتماعية التي قد لا تتأقلم مع تغيرات الأوضاع يعد أمرا لاخلاف حوله. و إذا نظرنا من هذه الزاوية، فإنه يمكن القول، أن هذا التقرير الممتد على 500 صفحة، و الذي أمضى في إعداده 50 خبيرا أكثر من عام، أقل ما يقال فيه أنه نقاش مباشر وجاد للقضايا. قبل ذلك، يمكننا بسهولة أن نسمع الأصوات المقارنة بين "نظرية التهديد الصيني" و "نظرية الإنهيار الصيني"، لكن أي من هاتين النظريتين يمكنها ارضاء الجماهير عبر الهراء، هل من خلال التهويل أو الصيد في الماء العكر، وهذا أصلا لايستحق المقارنة.
طبعا كل دراسة، من الممكن أن تواجه مأزق كهذا: درجة الإهتمام بالموضوع هل هي عالية أم متدنية؟ في النهاية فإن زاوية النظر ستحدد بصفة مباشرة إختيار طريقة المعالجة. تمحور الخلاف المتعلق بتقرير البنك الدولي أساسا حول مكانة و نمو الشركات الحكومية. حيث يرى التقرير أن ظاهرة تقدم الشركات الحكومية و تراجع الشركات الخاصة و إحتكار الشركات الحكومية، لها تأثير سلبي كبير على النمو الإقتصادي. و أن العلاج الحقيقي هو تدعيم الإصلاحات في الشركات الحكومية، والتخفيض في حصة الإقتصاد المملوك للدولة، والإنتقال إلى السوق الحر. في حين ترى الأطروحة المخالفة لهذا الرأي، أنه لا وجود لظاهرة نمو الشركات الحكومية و تراجع الشركات الخاصة، و أن العلاج المطروح سيزعزع النظام الأساسي للإقتصاد.
هذا الخلاف يشمل في الحقيقة مستويان من الحكم. أولا، الحكم حول ما إذا كانت إصلاحات الشركات الحكومية مازالت قيد التنفيذ، ثانيا، الحكم حول مستوى العمق الذي وصل إليه الإصلاح في المنظومة الإقتصادية. بالنسبة للحكم الأول، يمكن للطرفين أن يطرحا أمثلة للمحاججة. فمن جهة، يشهد عدد الشركات المركزية تناقصا مستمرا، و أوضاع الكثير من الشركات المركزية غير الإحتكارية ليست على مايرام. و من جهة ثانية، نظرا لأن الشركات المركزية تسيطر على الكثير من الموارد لذا فإنها تثير الكثير من الإستياء داخل المجتمع.هذا المثال من التناقض، يدل على أن الأهداف و إتجاه إصلاحات الشركات المركزية ليست واضحة كثيرا. أما في ما يتعلق بالحكم الثاني، فهو يشمل الجهود والإرادة في الإصلاح. لكن مهما يكن، فإنه لايمكن أن نتراجع إلى مستوى الحلقة المفرغة "الإشتراكية أم الرأسمالية".
لاداعي للقلق طالما كان الجدال بسبب المصالح أو المواقف. لكن ما يدعو للقلق، هو التفكير المزاجي، أما كل ما يتعلق بالجانب الأكاديمي فيمكن إعادة مناقشته، و مقارنته، و إحالة نتائجه إلى التطبيق. لأن الصين التي تمر بمرحلة إنتقالية، في حاجة إلى الجدل الإيجابي، و إذا رجعنا إلى التاريخ، فإن هذا هو مصدر الإصلاح.