تعليق: النظر إلى العلاقات الصينية الأوروبية من زاوية إستراتيجية
صحيفة الشعب اليومية – الصادرة يوم 13 فبراير عام 2012 – الصفحة رقم 03
خلال مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية الذي عقد مؤخرا، أكدت العديد من الشخصيات الأوروبية على ضرورة تدعيم العلاقات مع آسيا. حيث يعتقدون بأن الثقل الإستراتيجي العالمي بصدد التحول إلى آسيا و المحيط الهادي، و أرادت أوروبا أن تستمر في كونها أحد القوى القيادية في العالم في ظل نظام الإقتصاد السياسي الدولي الحالي، فعليها أن تنظر إلى آسيا، و أن تؤسس مع آسيا وخاصة الصين علاقات شراكة جيدة.
وعند ظهور العملة الأوروبية الموحدة في عام 1999، ظهر الحديث عن أمريكا وأوروبا كقوتين رئيسيتين تقودان بنية الإقتصاد العالمي. وبعد 10 أعوام من ذلك التاريخ، أصبحت آسيا والمحيط الهادي أكثر المناطق حيوية داخل الإقتصاد العالمي. وفي هذا السياق كتب مدير البنك المركزي الأوروبي جونغ كلود تريشي: أوروبا بصدد مواجهة إقتصاد عالمي جديد تماما، إقتصاد تمت إعادة صنعه من العولمة والدول الآسيوية واللاتينية الناشئة.
التغيرات التي أحدثتها القوى التي أفرزتها العولمة الإقتصادية، جعلت بنية الإقتصاد السياسي العالمية تشهد نوع من التفاعل لاسابق له. وفي ظل عدم حل أزمة الديون الأوروبية، وعدم اليقين من تعافي الإقتصاد العالمي وإستمرار النمو، فإن تدعيم العلاقات مع آسيا تبدو حاجة ملحة ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي بل على الصعيد الإقتصادي أيضا.
الصين هي أكبر الإقتصاديات الآسيوية، وهي تحرص أيضا على تنمية العلاقات الصينية الأوروبية. وخلال العشرية الماضية، ومهما كانت الوضع الدولي، ظلت الصين تدعم الكتلة الأوروبية، وتثق بأن أوروبا لديها مستقبل مشرق. لأنه في النهاية قوة وإستقرار أوروبا يخدمان مصلحة الصين والعالم.
الإستراتيجية قلب العلاقات الصينية الأوروبية.
أسس الجانبان علاقات الشراكة الإستراتيجية في عام 2003. وقد حصل توفق بين الصين وأوروبا حول جملة من القضايا على غرار التعددية القطبية والتعددية الحضارية في العالم، والحرص على العلاقات متعدد الأطراف، وتحسين الحكم العالمي، والدفع إلى تأسيس نظام سياسي وإقتصادي دولي أكثر عدالة ومنطقية. بذلك، فإن أهمية العلاقات الصينية الأوروبية تتجاوز يوما بعد يوم نطاق الطرفين، لتكتسب معنى عالمي. وقد أكد القادة الصينيون في العديد من المرات أن دولة أو دولتين، أو كتلة الدول الكبرى لا يمكنها أن تحل المشاكل العالمية، وأن التعددية القطبية، والعلاقات متعددة الأطراف، يجب أن تكون إتجاه تطور البنية العالمية في المستقبل.
التعاون الشامل بين الصين و أوروبا.
يشهد التعاون التجاري الصيني الأوروبي تطورا مضطردا، محققا نتائج هائلة، عادت بالنفع على الشعب الصيني والأوروبي والمجتمع الدولي، كما يشهد التعاون في المجال السياسي تقدما مستمرا، ويحظى التبادل الشعبي إهتماما متزايدا من الجانبين. كما يشهد التبادل بين الجانبين في مجالات الزراعة و البحوث العلمية وعدة مجالات أخرى تعميقا مستمرا. في ظل الوضع العالمي الحالي المعقد، فإن الدفع بكامل العلاقات الثنائية نحو مزيد من العمق و التطور، سيصنع مزيد من الرخاء للشعب والصيني والشعول الأوروبية، و سيعود بالنفع على إستمرار النمو العالمي.
الثقة الإستراتيجية المتبادلة أساس تعميق التعاون على المدى الطويل.
إن أهم شيء في التعاون الإستراتيجي الصيني والأوروبي، هو التمسك بمبادئ الإحترام المتبادل، وعدم التدخل في السياسة الداخلية، والعناية المتبادلة بالمشاغل الكبرى للطرفين، والمعالجة المناسبة للمشاكل الحساسة. من جهة أخرى، نظرا لإختلاف الخلفية التاريخية والثقافية وطبيعة النظام السياسي وتفاوت مراحل النمو الإقتصادي بين الجانبين، فإن هناك بعض الخلافات الكامنة بين الصين وأوروبا. وقد أثبت التاريخ، أنه من خلال إتباع مبادئ الإحترام و الثقة المتبادلة، والمعاملة المتساوية، المصالح المتبادلة والربح المشترك، وإتخاذ الإجراءات التي تدفع إلى إيجاد حلول للمشاكل فقط، يمكن إزالة العقبات من طريق تطور العلاقات الصينية الأوروبية.
تمر علاقات الشراكة الإستراتيجية الصينية الأوروبية الآن بمرحلة تاريخية مفصلية، حيث يتوفر أمام علاقات الجانبين فضاء شاسع لمزيد التعميق و التطور. خاصة وأن تدعيم التعاون الصيني الأوروبي لم يعد خيارا إستراتيجيا فحسب، بل هو ضروة إستراتيجية.