تعليق: ماذا يعني دعم مجموعة "البريكس" لأوروبا؟
صحيفة الشعب اليومية – الطبعة الخارجية - الصادرة يوم26 سبتمبر عام 2011- الصفحة رقم: 01
عبر وزراء المالية لدول مجموعة " البريكس" الأسبوع الماضي في واشنطن، عن إستعداد دول المجموعة لتوفير الدعم في الوقت اللازم لأوروبا التي تمر بأزمة ديون ، وفقا لوضع كل دولة، وعبر صندوق النقد الدولي أو الأجهزة المالية الدولية الأخرى. ونقلت وكالة رويترز،عن المسؤولين الحكوميين لدول مجموعة "البريكس" بما فيهم الصين والبرازيل والهند، أنهم سيفكرون في إمكانية توفير مزيد من الدعم المالي وذلك لتعزيزالإستقرار العالمي. وبعتبر هذا نتيجة إيجابية للتنسيق القوي بين دول مجموعة البريكس، كما يعكس الموقف الإيجابي لدول المجموعة تجاه دعم التعاون الدولي.
إنطلق التعاون بين دول مجموعة البريكس في البداية في ظل تشكيك غربي كبير، حيث كانوا يميلون إلى الإعتقاد بأن آليات التنسيق والتشاور التي ضمت إلى حد الآن كل من البرازيل و روسيا و الهند والصين و جنوب إفريقيا، لا تتعدى كونها مصطلحا فنيا من قبيل "خالف تعرف"، أحدثه بعض خبراء شركة غولدمان ساكس.
ولم يتوقعوا أن تمتلك دول مجموعة البريكس اليوم القدرة على مساعدة الدول المتقدمة، هذا لأن ظهور آلية التنسيق والتشاور بين دول المجموعة قد ناسب الحاجة إلى تنسيق وتعديل السياسات الإقتصادية، وهي أيضا حتمية فرضتها العولمة التي يتسع نطاقها بإستمرار.
هذا التحرك المنسق الذي قامت به دول البريكس، من الممكن أن يتكرر بأشكال مختلفة وعلى مستويات إقتصادية عدة في المستقبل. لكن عمليات التنسيق هذه لن تشكل بالضرورة "منظمة سياسية صارمة تتبنى نفس الأفكار". بل بالعكس، قد يكون الإختلاف في المواقف يملي على المجموعة الحاجة إلى تنسيق أكثر، ومن خلال دعم التنسيق البيني يتم توسيع دائرة التعاون الدولي.
يشهد الإقتصاد العالمي في الوقت الحالي تداخلا بين خاصية قديمة وأخرى جديدة. أولا، ان الدول المتقدمة مازالت هي القوة الموجهة. وبمجرد إنهيار الدول المتقدمة سينهار معها الإقتصاد العالمي. ثانيا، ان صعود الإقتصادات الناشئة بصدد توفير "طاقة جديدة" لمحرك الإقتصاد العالمي.
وقد عكس إرتفاع مساهمة دول مجموعة البريكس في الإقتصاد العالمي بقوة هذا التوجه الجديد. وحسب توقع جيم أونيار الخبير في شركة غولدمان ساكس، ومحدث مصطلح "دول مجموعة البريكس" فإن نسبة إسهام دول هذه المجموعة في الإقتصاد العالمي ستصل إلى 50 % على الأقل خلال العشر سنوات القادمة، وهناك إمكانية بأن تصل النسبة إلى 70 %، كما أن المجموعة أصبحت تتكون من 5 دول بعد ماكانت تتكون من 4 فقط.
كما أن الإقتصاد العالمي أصبح يشهد مستوى من الترابط غيرالمسبوق بين "الدول المتقدمة "و "الدول الناشئة"، ولايمكن لأي إقتصاد أن يكون "جزيرة" معزولة عن العالم. حيث أصبح من الممكن أن يحدث إقتصاد أي دولة في إقتصاد دولة أخرى تأثيرا كبيرا، ولنجاح سياسات أي دولة ما يجب إجراء التنسيق اللازم مع أكثر عدد من الدول. وهذا هو السبب الذي جعل "حمى" الأزمة الإقتصادية تفوق كل التوقعات.
كانت الأزمة المالية لعام 2008 السبب في نشوء مجموعة العشرين، وكانت أيضا الخلفية التاريخية لبداية التنسيق بين دول مجموعة البريكس.
ورغم المصاعب الكثيرة التي تواجه النمو الإقتصادي لدول مجموعة البريكس، ورغم تواجدها في مستوايات مختلفة من مشاكل التوازن وإستمرارية النمو. وقفت هذه الإقتصادات الناشئة معا في أصعب أوقات الأزمة المالية العالمية، حيث أصبحت ذات دور ريادي ومطمئن.
لا يمكن لدول مجموعة البريكس حلّ المشاكل بالنيابة عن الدول المتقدمة، كما أن هذا ليس من أهداف عمليات التنسيق بين دول المجموعة. لكي يتعافى الإقتصاد العالمي، على الدول المتقدمة أن تبادر أكثر لتعميق التنسيق والتشاور، وإتخاذ الإجراءات الفعلية اللازمة في أسرع وقت ممكن. كما قال وزير المالية البرازيلي غويدو مانديغا: " الأزمة تتسع يوما بعد يوم، وكلفة حلّها تتزايد، والمفتاح هو السرعة"
إذا نظرنا بصفة عامة، فإن الإقتصاد الدولي قد أصبح أكثر قوة بفضل صعود الإقتصادات الناشئة، لكنه بسبب ذلك أصبح أيضا متعدد الأقطاب. إن تطور مكانة الإقتصادات الناشئة وإزدياد مساهماتها مازال منوطا بعلاقات الشراكة مع الدول المتقدمة. لأن العالم أصبح في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التنسيق القوي والتعاون المتين بين الجانبين.