في وداع الحرم.. أشواق وذكرى وتذكار
لا تزيد تلك العجوز -التي يبدو من سحنتها أنها مغربية- على ترديد "اللهم إني أسألك الشهادة" وهي تقاوم وتغالب لكي تقبل الحجر الأسود، انتهى الجزء الأكبر من المهمة، فقد بقي أقل من متر يفصلها عن الموضع المقدس، ولكن بقي الجزء الأصعب، ففي هذا الحيز يشتد التدافع والزحام وتكثر حالات الإغماء والإعياء وربما يسقط جراء ذلك جرحى وشهداء.
حين نصحنا مرافقها (يبدو أنه ولدها) بالحذر عليها وإبعادها عن الخطر، قال إنها مصرة على توديع بيت الله بتقبيل الحجر الأسود، لم نستطع الوصول إلى مبتغانا فغادرنا بهدوء وتركنا تلك الحاجة تغالب الجموع وتدعو بالشهادة.
ليست الحاجة المغربية التي تعد للأوبة إلى بلادها المشوقة الوحيدة التي يُبكيها فراق الحرم، فالملايين التي غادرت أو ستغادر مكة خلال أيام تحمل أشواقا بعدد الأشخاص، وحنينا لا يسعه مكان ولا زمان، سواء المتعجل منهم أو من سيمكث بعد ذلك ليقضي من البيت ومكة أربا وحاجة.