تعليق: تكامل بين الصين وأمريكا في مجال الطاقة النظيفة
صحيفة الشعب اليومية – الصادرة يوم 11 مارس عام 2013 – الصفحة رقم 18
عند حديث إدارة أوباما عن الطاقة النظيفة، تهكمت على الصين في العديد من المرات: إما أن تؤكد على أن الصين هي خصمه، والترويج لـ "التهديد الصيني"، أو تلصق لها علامة "المنافسة غير العادلة"، واللجوء إلى إجراءات الإنقاذ التجاري. لكن في الحقيقة إن هذا الإدعاء لا أساس له من الصحة. فقد أظهر تقرير بحثي نشرته مؤسسة بيو الخيرية الأمريكية أن قيمة التجارة بين الصين وأمريكا في مجال منتجات وخدمات الطاقة النظيفة قد تجاوزت 8.5 مليار دولار في عام 2011، ويحقق الجانب الأمريكي في هذا المجال فائض تجاري بـ 1.6 مليار دولار. ويشير التقرير إلى أن الصين وأمريكا بإمكانهما تحقيق المنفعة المتبادلة في مجال الطاقة النظيفة.
أمريكا في موقع تفوق في التعاون مع الصين في مجال الطاقة النظيفة
نشرت مؤسسة بيو الخيرية الأمريكية تقريرها الأخير تحت عنوان "أمريكا في وضع الرابح: العلاقات التجارية الأمريكية الصينية في مجال الطاقة النظيفة". وذكر التقرير إعتمادا على أرقام "بلومبرغ نيوإنرجي فايننس"أن أمريكا تحتل مكان الرابح في تجارتها الخارجية في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتكنولوجيات الطاقة الذكية. حيث بلغ الفائض التجاري الأمريكي من مبادلاتها مع الصين في مجالات منتجات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتكنولوجيا الطاقة الذكية قرابة 530 مليون دولار. وإذا إحتسبنا صادرات الشركات الأمريكية العاملة خارج أمريكا والمصدرة إلى الصين فإن هذا الفائض سيصل إلى 1.630 مليار دولار.
كما أشارت مؤسسة بوي الخيرية الأمريكية إلى أن إجمالي الصادرات الصينية رغم تجاوزها الصادرات الأمريكية، إلا أن أمريكا تستحوذ على موقع الأفضلية في تجارة الطاقة النظيفة مع الصين، وقالت بأن هذا الجانب لا يحظى بمعرفة كافية من الجميع. ويتجسد التفوق الأمريكي في هذا المجال في روح الإبداع عند الشركات الأمريكية وروح المستثمرين الأمريكيين. مثلا، تتجاوز الشركات الأمريكية نظيراتها الصينية في مجال مراحل التصنيع المعقدة، والطاقة العالية، وإنتاج وبيع الطاقة النظيفة عالية الأرباح.
ومن بين هذه المنتجات نجد المعدات المستعملة في صناعة ألواح بطاريات الطاقة الشمسية والثنائيات الباعثة للضوء، والمعدات المستعملة في إنتاج مواد وأنظمة التحكم في منتجات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. من جهة أخرى، تتميز الشركات الأمريكية بآداء أفضل من الشركات الصينية. حيث نجحت الشركات الصينية فقط في تأسيس مصانع صغيرة الحجم لتجميع معدات الطاقة النظيفة.
وأشار التقرير المذكور إلى أن تفوق الشركات الصينية في مجال الطاقة النظيفة يكمن في قطاعات التصنيع واسعة النطاق، وقدرتها على تجميع كميات كبيرة من منتجات الطاقة النظيفة. حيث تمتلك الصين أكبر 5 مصنعين لبطاريات الطاقة الشمسية في العالم. في حين تعد الشركات الأمريكية رائدة عالمية في مجال التزويد بمواد الطاقة الشمسية. وقد بلغت قيمة صادرات المصنعين الأمريكيين من منشآت الطاقة النظيفة إلى الصين 2.2 مليار دولار في سنة 2011.
وذكر فيليس جوجينو المكلف بمشروع الطاقة المتجددة في مؤسسة بوي الخيرية الأمريكية "ان هذا التقرير يظهر حقيقة التداخل المعقد والإعتماد المتبادل بين أكبر إقتصادين في العالم، في ذات الوقت يظهر (التقرير) بوضوح الفوائد التي يحصل عليها الجانبان من العلاقات التجارية البنائة في مجال تقنيات الطاقة النظيفة."
الحمائية التجارية تضر بالطرفين
قامت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة بإطلاق تحقيقات "مضادة للإغراق والدعم" إلى جانب رفع مستوى الضرائب تجاه بطاريات الطاقة الشمسية وأبراج الرياح الصينية. ورغم أن إجراءات الحمائية التجارية التي إتخذتها أمريكا كانت في إطار الإستجابة للقلة من الشكاوى التي تقدمت بها شركات الطاقة الأمريكية، إلا أنها شهدت معارضة واسعة من داخل أوساط الطاقة الجديدة في أمريكا. وقد وقف العديد من الشركات الأمريكية إلى جانب الشركات الصينية في ملف الطاقة الشمسية.
في الحقيقة، إن التعاون العميق بين الصين وأمريكا في مجال الطاقة النظيفة، يمكن وصفه بالمثل الصيني القائل "أنا بداخلك وأنت بداخلي". حيث إن ضرائب مكافحة الدعم ومكافحة الإغراق التي فرضتها أمريكا على بطريات الطاقة الشمسية الصينية ستضر بمصالح المصدرين الأمريكيين للمواد الأولية والمعدات، ومصالح شركات تركيب الطاقة الشمسية والمستهلكين. ويعتقد فيليس "أن السياسات الأمريكية هي نفسها التي ستحدد إتجاه نمو صناعة الطاقة النظيفة الأمريكية وليست الصادرات الصينية."
وأشار كونراد بير مدير التسويق العالمي لملف الحلول الضوئية بشركة دوبونت الأمريكية إلى وجود بعض النقاشات السلبية في أمريكا حول قطاع الطاقة الشمسية، حيث ترى بعض الأوساط أن قطاع تصنيع الطاقة الشمسية قد تحول إلى آسيا وخاصة الصين. ويعتقد كونراد أن الصناعة الكهروضوئية في أمريكا لاتزال تتمتع بحيوية جيدة. حيث أكد على أن الطاقة الشمسية العالمية تعد سوقا ضخمة ومنفتحة، وقال بأن شركة دوبونت تدعم السياسات التجارية المنفتحة.
التبعية المتبادلة بين الصين وأمريكا في مجال الطاقة الجديدة
أظهرت دراسة مؤسسة بوي الخيرية مرة أخرى أن إحتساب ربح وخسارة دولة ما في التجارة الدولية، لايمكن أن يعتمد فقط على طريقة الإحصاء التقليدية للتجارة لإحتساب الفائض أو العجز.
وقال مايكل ليبوراي المدير التنفيذي لـ "بولمبرغ نيوإنرجي فايننس" أن الصين تعد مصنع العالم أيضا في مجال الطاقة النظيفة، وخاصة في جانب صناعة بطاريات الطاقة الشمسية والوحدات. وبسبب الريادة الصينية العالمية في مجال وحدات الطاقة الشمسية، من السهل لها أن تجعل الآخرين يتجاهلون وارداتها للمنتجات العالية القيمة المضافة والمواد والبولي سيليكون. وأشار ليبوراي إلى أن العلاقات التجارية بين الصين وأمريكا في مجال الطاقة النظيفة تعد احدى الدروس الهامة، وهي كيفية إستعمال تبادل القيمة المضافة العالية بدلا عن تبادل المنتجات في تقييم العلاقات التجارية المعقدة بين بلد وآخر.
ويعتقد ليبوراي أن إعتماد طريقة إحصاء القيمة المضافة بإمكانها أن تعكس الوجه الحقيقي والكامل للتجارة الأمريكية الصينية في مجال الطاقة النظيفة، كما يمكن إعتماد ذلك في تجارة باقي الصناعات."للوهلة الأولى، تبدو هناك علاقة تنافس بين الصين وأمريكا في مجال الطاقة الشمسية، لكن في الحقيقة هناك إعتماد متبادل بين الطرفين."