لماذا لا تثير أنفلونزا الطيور الفزع في هونغ كونغ؟
شهدت أسواق هونغ كونغ مؤخرا 21 يوما متتالية خالية من الدجاج الحي بعد إكتشاف فرخ دجاج ميّت في سوق لبيع الطيور بالتجزئة قرب خليج تشانغ شا يوم 20 ديسمبر 2011. وبعد إجراء الفحوصات تبين إصابة هذه الدجاجة بإنفلونزا الطيور H5N1 سريعة الإنتقال و العدوى.
هذه الدجاجة الميتة إستنفرت كل أجهزة الطوارئ ضد إنفلونزا الطيور في هوكونغ، بكونها القطعة الأولى التي سقطت من الدومينو التي ستسقط القطع المتتابعة الأخرى. وبعد إستلام تقرير الفحص المخبري، سارعت حكومة هونغ كونغ مباشرة لعقد إجتماع طارئ للجنة مراقبة ومتابعة إنفلونزا الطيور، و قررت رفع حالة التأهب ضد إنفلونزا الطيور إلى مستوى "خطير"، و ذلك سعيا لمنع إنتشار المرض، و ضمانا لسلامة المواطنين.
فراخ الدجاج التي تعيش في نفس المكان مع الدجاجة الميتة و التي يقدر عددها بـ 20 ألف فرخ، كانت الأسبق إلى "سوء الحظ"، حيث تم حرقها جميعا. في المقابل تمكنت الفراخ التي مازالت تعيش داخل المداجن من العيش 3 أسابيع إضافية، حيث تم منع مداجن المنطقة من بيع الدجاج الحي لمدة 21 يوما، و وقف واردات الدجاج الحي لمدة 21 يواما. ويعتمد سوق هونغ كونغ على مصدرين للتزود بالدجاج الحي، تمثل 30 مدجنة محلية أحدهما، وتمثل الواردات من البر الرئيسي المصدر الثاني، و تحافظ كمية الواردات على مستوى 7000 دجاجة يوميا. ونظرا لأن سوق البيع بالتجزئة في هونغ كونغ يعتمد نظام "التطهير اليومي" للدجاج الحي، حيث يتم إخراج الدجاج الحي المتبقي من السوق بعد إنتهاء العمل، لذلك، وفي ظل غلق المصدرين السالف ذكرهما، فإن كافة أسواق هونغ كونغ قد خلت من الدجاج الحي مباشرة بعد يوم واحد فقط من موت الدجاجة المذكورة سلفا.
وقبل إحراق جميع فراخ الدجاج المتواجدة في الأسواق، قام المشرفون بتجميع 180 عينة. وبعد إجراء الإختبارات اللازمة، أعطت التحاليل التي أجريت على كافة العينات نتائج سلبية حول الإصابة بإنفلونزا الطيور. و هو مايعني أن 20 ألفا من فراخ الدجاج قد تكون "ماتت ظلما".
ظهور حالة إصابة بإنفلونزا الطيور و توقف التزويد بالدجاج الحي تزامن مع حلول "منتصف الشتاء" بهونغ كونغ، الأمر الذي أثر سلبيا على جو قضاء العيد، و هذا ينطبق المثل المتعلق بالمطبخ القوانتوني القائل "الطعام الذي يخلو من الدجاج لا يعد طعاما". كما أضطرت المطاعم لإستعمال الدجاج المخزن في الثلاجات كمواد أولية للطبخ. و رغم أن اللوائح القانونية تنص على أن حكومة هونغ كونغ تقوم بتعويض 30 يوان على كل فرخ دجاج يتم إتلافه، لكن ذلك لم يحد كثيرا من الخسائر التي لحقت بجميع العاملين في القطاع، من مرحلة التعليف إلى البيع بالتجزئة. فهل كانت هناك ضرورة ملحة لكل هذا، لأجل فرخ دجاج واحد؟
و برر مدير إدارة الأغذية و الصحة إتخاذ هذه الإجراءت، شروط لضمان سلامة صحة الموطنين خاصة و أن إنفلونزا الطيور تعد مرضا سريع الإنتقال، لذلك وجب على الحكومة المحلية إتخاذ إجراءات صارمة و ناجعة من أجل منع إنتشار إنفلونزا الطيور.
ليس فهذا فحسب، بل دفعت هذه الدجاجة الحكومة إلى مراجعة نظام الرقابة. و تعتزم هيئة حماية الأسماك و الزارعة والطبيعة إلى إنشاء نظام داخل سوق البيع بالتجزئة لجمع المعلومات عن مصادر فراخ الدجاج الميتة، و تحسين برامج المتابعة. و يطالب هذا النظام تجار البيع بالتجزئة إبلاغ الموظفين المعنيين في حالة إكتشافهم لفراخ ميتة، ثم تسجيل بيانات الفرخ الميت و إلصاق علامة عليه و وضعه في صندوق تجميع جثث الدجاج. كما ناقشت الحكومة إجراءات أخرى مع مربي الدواجن، من قبيل وضع إعتماد كل مربي حلقات صغيرة بلون خاص و وضعها على سوق الدجاج، كي تسهل عملية معرف مصدر الدجاج عند حدوث مشكلة ما. وبذلك يتم تفادي تكرار ما حصل في الحالة الأخيرة، حيث لم يتوصلوا لمعرفة مصدر فرخ الدجاج الميت.
و مع قيام الحكومة برفع مستوى التأهب ضد إنفلونزا الطيور، قام مركز حماية الصحة بهونغ كونغ بالترفيع من مستوى فحوصات إنفلونزا الطيور على المواطنين. حيث وضع المركز رقما هاتفيا مجانيا للإجابة عن أسئلة المواطنين، و قام بفحوصات طبية و متابعة لصحة تجار البيع بالتجزئة في أسواق الطيور و كافة العاملين في القطاع، والمزارعين و أصحاب المداجن.
رغم أن الحكومة قد إستنفرت كل طاقاتها لأجل موت فرخ دجاج واحد، ورغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالتجار، إلى جانب حرمان المواطنين من أكل لحم دجاج طازج لمدة 3 أسابيع. لكن، إذا نظرنا إلى أنه بإمكان مواطني هونغ كونغ التمتع بأكل لحم الدجاج في المطاعم مطمئنين البال، فإنه لا أحد يرى بأن موت هذا الفرخ من الدجاج "لا يستحق" كل ما فعل من أجله. وفقط بسبب وجود نظام وسياسات صارمة كهذه، يمكن تأسيس ثقة المواطن في سلامة الأغذية.
يمكن القول بأن مستوى البحث و الوقاية من إنفلونزا الطيور في هونغ كون يعد من أعلى المستويات في العالم إذا لم يكن الأفضل. كما يمكن القول بأن حادثة إنفلونزا الطيور التي وقعت هذه المرة ترسل برسالة واضحة إلى البر الرئيسي، مفادها أنه فقد من خلال النظام الصارم و التنفيذ الدقيق يمكن ربط سلسلة العلوم والتكنولوجيا العالية بسلسلة الحماية الناجعة للمواطنين.