تعليق: مقايضة الصين عبر المكانة في إقتصاد السوق أمر غير مقبول
صحيفة الشعب اليومية -الصادرة يوم 27 سبتمبر عام 2011- الصفحة رقم: 21
وفقا لإحصاءات وزارة التجارة الصينية، بلغ عدد دول العالم المعترفة بمكانة الصين في إقتصاد السوق 81 دولة، من بينها روسيا، البرازيل، إيسلندا، سويسرا والنمسا، فيما إمتنعت أمريكا وأعضاء الإتحاد الأوروبي واليابان ودول أخرى عن الإعتراف إلى حد الآن. لكن في الحقيقة، حسب قواعد منظمة التجارة العالمية (WTO) يمكن للصين الحصول آليا على مكانة في إقتصاد السوق بعد 15 سنة من إنظمامها إلى المنظمة، وهو ما يوافق عام 2016.
الإعتراف المبكر هو إجراء عملي.
تعد روسيا و جنوب إفريقيا من أول دول مجموعة البريكس التي إعترفت مبكرا بمكانة الصين في إقتصاد السوق. ويعتقد كبير الباحثين في مركز بحوث روسيا للشؤون الإقتصادية والإجتماعية الصينية، السيد إيفان فلاديميرفاخروشن أن الإقتصاد الصيني قد بلغ مستوىً عاليا من التطور، وأن الصين تتمتع ببيئة إقتصادية وإستثمارية جيدة جدا، وقدرة كبيرة على جذب الإستثمارات الأجنبية، وهذا يعود إلى منظومة الضمانات الجيدة التي توفرها الصين لرؤوس الأموال والشركات الأجنبية. وإن إستمرار الصين في إحتلال الصدارة العالمية من حيث حجم رؤوس الأموال الأجنبية المستقطبة، قد حفز الإقتصاد الصيني على النمو السريع.
وبالنسبة لدول الآسيان، فقد كانت سنغافورة أول من بادر بالإعتراف بمكانة الصين في إقتصاد السوق، ولاحقا، أعلنت الدول التسعة المتبقية إعترافها تباعا، وفي تعليق على هذا الأمر، أشار الدكتور غوتشي يانغ الأستاذ بمعهد لي غوانغ يانغ للسياسات العامة في الجامعة الوطنبة بسنغافورة، أثناء لقاء صحفي، أنه نظرا للقرب الجغرافي بين الصين ودول الآسيان، والتكامل القوي بين الجانبين على مستوى هياكل الإنتاج، والترابط اللصيق في مستوى مراحل الإنتاج، فإن سنغافورة ودول الآسيان يهمها كثيرا أن تلعب الصين دور "القاطرة المحركة لإقتصاد السوق"، كما تعرفت هذه الدول جيدا على مسيرة إنفتاح السوق الصينية ، كما يعود إعتراف دول الآسيان بمكانة الصين في إقتصاد السوق، إلى الصداقة التي تربطهم بها. من جانب آخر، يعد الإعتراف بمكانة الصين في إقتصاد السوق خيارا عمليا، نظرا للفائدة التي ستعود على دول الآسيان من ورائه.
عدم الإعتراف، هو بمثابة شمّاعة، الغاية منه عرقلة الصين
تميز موقف الإتحاد الأوروبي في تعاطيه مع مسألة الإعتراف بمكانة الصين في إقتصاد السوق، باللين التدريجي بعد إتصالات طويلة بين الجانبين. حيث، توصل الإتحاد الأوروبي في أبريل 1998 إلى قرار يقضي بشطب إسم الصين من قائمة الدول غير المنتمية بالكامل لإقتصاد السوق، وأسند لها صفة "دولة ذات إقتصاد متحول"، وهي منزلة تقع بين مرتبة " عدم الإنتماء الكامل لإقتصاد السوق" و مرتبة "الإنتماء الكامل لإقتصاد السوق"، وفي حالة مواجهة سياسات مكافحة الإغراق الأوروبية، يمكن للشركات الصينية التمتع بإمتيازات المكانة الكاملة في إقتصاد السوق لمعالجة بعض الملفات. لكن، عدم إعتراف الإتحاد الأوروبي بالمكانة الكاملة للصين في إقتصاد السوق، أصبح عقبة كأداء في العلاقات التجارية بين الصين والإتحاد الأوروبي. ويرى الخبراء أن سبب إصرار الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه على عدم الإعتراف بالمكانة الكاملة للصين في إقتصاد السوق، لا يعود لعدم معرفتهم بإتجاه تطور الإقتصاد الصيني، بل يعزى إلى رغبة الإتحاد الأوربي في إستعمال ذلك كشمّاعة يمكن من خلالها عرقلة الصين.
خلال السنوات الأخيرة، طالب العديد من مسؤولي دول الإتحاد الأوروبي على غرار ألمانيا وفرنسا، الإتحاد الأوروبي بالإسراع في الإعتراف بالمكانة الكاملة للصين داخل إقتصاد السوق. ويعتقد فاخروشن أن هناك إحتمال كبير في أن يعترف الإتحاد الأوروبي بالمكانة الكاملة للصين في إقتصاد السوق قبل الفترة الأخيرة من سنة 2016، لأن الصين في النهاية، هي أحد أهم الشركاء التجاريين للإتحاد الأوروبي، وهناك تبعية بين الجانبين، ولا يستطيع أي طرف التخلي عن الأخر.
وتعتبر أمريكا أكثر الدول المتقدمة مماطلة في الإعتراف بمكانة الصين الكاملة في إقتصاد السوق. وقد بدأت المفاوضات الصينية الأمريكية بشأن هذه المسألة منذ سنة 2004. وعلى مدى 7سنوات، ظلّت أمريكا تعطي الوعود بالإسراع في إعترافها بمكانة الصين في إقتصاد السوق، لكن على أرض الواقع، كانت تتماطل في إتخاذ أي تحرك جدي.
الإعتراف بمكانة الصين في إقتصاد السوق من عدمه، أصبح أحد الأوراق الهامة التي تستعملها أمريكا خلال المفاوضات التجارية مع الصين. ويشير المحللون، إلى وجود علاقة مباشرة بين مسألة الإعتراف بمكانة الصين في إقتصاد السوق ويين العلاقات التجارية الصينية الأمريكية، وفي هذا الإطار، تمارس الشركات الأمريكية ونواب الكونغرس المتخوفون على مصالحهم ضغطا كبيرا على الحكومة الأمريكية، من أجل أن لاترى هذه الوعود النور. من جانبها، تستخدم الحكومة الأمريكية مسألة الإعتراف كورقة ضغط على الصين، في مسائل من قبيل سعر صرف اليوان، أو الديون الأمريكية إلخ، لإجبار الصين على منحها تنازلات.
إن عدم الإعتراف بمكانة الصين الكاملة في إقتصاد السوق، قد أدى إلى خسائر متكررة للشركات الصينية تحت مظلة مكافحة الإغراق. وهناك بعض الدول تقْدم على إستعمال بيانات دولة ثالثة عند تقييمهم إنتماء المنتجات الصينية من عدمه إلى مبدأ إغراق السوق، كما تعْمد إلى تضخيم مستوى الإغراق، لتبرير إتخاذها سياسات مكافحة إغراق السوق.
الإصلاحات الكبيرة التي شهدتها السوق الصينية
يرى الأستاذ غو تشينغ يانغ أن الحكم على أحقية دولة ما بالمكانة الكاملة في إقتصاد السوق، لا يعتمد على التاريخ والحقيقة فقط، بل يجب أيضا يراعي إتجاه تطور السوق في المستقبل. ومنذ دخول الصين منظمة التجارة العالمية، شهد إقتصادها تغيرات جذرية. فعلى صعيد مستوى السوق والتواصل مع الإقتصاد الدولي، أظهرت الصين خصائص إقتصاد السوق الحر. مثلا، تتميز أسعار المنتجات الصينية في السوق الدولية والتجارة الخارجية بدرجة عالية من الحرية. بالإضافة، إلى تزايد أهمية الدور الصيني في التجارة العالمية.
ويرى السيد هو جيانغ يون، الباحث في مركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة، أن الصين قد قامت بمجهودات كبيرة من أجل حصولها على الإعتراف بمكانتها الكاملة في إقتصاد السوق. حيث بادرت في البداية إلى تعميق الإصلاح، وخاصة إصلاح القطاعات المحتكرة. كما شجعت ودعمت الإقتصاد الخاص ودخول رؤوس الاموال الأجنبية. إلى جانب فصل إدارة الإنتاج عن السياسة الإدارية في قطاعات النفط والطيران والسكك الحديدية والإتصالات. أما بالنسبة لإصلاح الأسعار، فبإستثناء بعض المنتجات الحيوية بالنسبة للمواطن، فإن أسعار أكثر من 98 % من المنتجات تحددها السوق. زد على ذلك الأصلاحات المالية، حيث قامت الصين بإصلاح نظام سعر الفائدة و سعرالصرف، إلخ. ثانيا، قامت الحكومة بتحسين منظمومة الإنفتاح، ووفقا لإتفاقية الـ WTO التي صادقت عليها، قامت بخفض الحواجز الجمركية على تجارة السلع. وقلصت من الإجراءات غير الضريبية.
وخلال السنوات الاخيرة، عززت الصين إنفتاح تجارة الخدمات، وقد نفذت تسهيلات لدعم التجارة و الإستثمار، و حققت الصين في بعض قطاعات الخدمات مستوى إنفتاح يفوق حتى بعض الدول الغربية المتقدمة. كما حررت الصين قطاع السيارات بالكامل، وهذا لم يشمل صناعة السيارة كاملة وقطع الغيار فحسب، بل حررت أيضا قطاع خدمات السيارات. أما بالنسبة لقطاعات خدمات التوزيع، والحاسوب، إلخ، فإن مستوى إنفتاح السوق الصينية أعلى من نظيره في الدول العادية. ثالثا، تسهيل الدخول إلى السوق، والتخفيض من حواجز السوق، ومعْيرة نظام السوق، وبناء سوق محلية موحدة.
ويعتقد الباحث هوجيانع يون، أن بعض الدول الغربية المحددة لقواعد إقتصاد السوق، هي نفسها أكبر مخرب له. مثلا، فرضت أمريكا سنة 2003 تدابير حمائية على قطاع الحديد والصلب، منافية لقواعد منظمة التجارة العالمية، ومارست على أرض الواقع الحمائية التجارية. كم رأى أن إصلاحات السوق الصينية قد حققت نجاحات كبيرة، يجب على أمريكا وأوروبا واليابان أن تضعها في عين الإعتبار. وبأن لاتستمر هذه الأطراف في تجاهل هذه الحقيقة، وممارسة التنديد غير المبرر، وطرح الشروط المشطة.
/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/