الألغام الأرضية .. الخطر الكامن الذي يهدد الآمنين أثناء الصراعات وبعدها
مستمعينا في كل مكان مرحبا بكم مع هذا البرنامج الخاص الذي نتحدث فيه عن خطر يهدد حياة وسلامة ملايين المدنيين في نحو مائة دولة. سلاح دمار شامل يعمل ببطء حتى بعد عقود من رحيل الجنود وانتهاء الصراعات والحروب، ليكون المدنيون ضحيته الأولى.
خطر الألغام الأرضية، بما فيها القنابل العنقودية، حقيقي في العالم العربي ويهدد الكثيرين من مواطنيه.
خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006 أسقطت ملايين الذخائر العنقودية على جنوب لبنان، انفجر منها ما انفجر وظلت كميات كبيرة منها كامنة لتشكل خطرا مستمرا يهدد حياة وسلامة المدنيين.
في صباح أحد الأيام كان الطفل محمد عبد العال يرعى الأغنام مع إخوته في قرية حلتا، خطوة واحدة على الطريق غيرت حياته إلى الأبد، فقد محمد بتلك الخطوة ساقه اليسرى.
"كنت مع الأغنام، أنا وأخي وأختي وابن عمي، سار أمامي أخوتي وعندما مشيت أنا وطأت قدمي شيئا فتغيرت حياتي، فقدت ساقي ولم أصبح قادرا على فعل شيء إلا أن أكمل دراستي وأحاول بناء مستقبلي."
الطفل محمد عبد العال
المأساة لا تنتهي مع فقدان محمد لساقه، كما يقول والده جمال، فتستمر معاناة سكان الجنوب بسبب القنابل العنقودية.
"هل انتهت مشكلة القنابل العنقودية لدينا بالجبل، لا. هل انتهت القصة بفقدان ساق محمد أو أبن اختي أو ابن أخي، لا. فسنظل نعاني إذا لم تزال القنابل العنقودية."
لا ينشغل فقط محمد بما فقده مع ساقه من القدرة على ممارسة حياته كما كانت، بل يشعر بالخوف والقلق من أن يصاب إخوته وأصدقاؤه بإحدى تلك القنابل.
"نعم أنا خائف، وأخاف من أن يتكرر مع إخوتي ما حدث معي، فسنعاني كثيرا وقتها. إن الجبل مليء بالقنابل العنقودية."
يعد لبنان شاهدا قويا على الآثار المدمرة للقنابل العنقودية التي يقدر عدد المستخدم منها في حرب عام 2006 بنحو أربعة ملايين ومائتي ألف ذخيرة، أدت إلى مقتل وإصابة المئات.
الشاب حسين غندور
في لقاءات أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان عن آثار القنابل العنقودية قال حسين غندور وهو شاب في أوائل الثلاثينات من عمره، إنه أصيب في مدينة صور عندما كان يلعب الكرة بشيء لم يعرف ما هو.
"لأنه لم يكن هناك توعية من الصباح حتى المساء لعبت الكرة بهذا الشيء طوال اليوم ولم أعرف أنها قنبلة. بعد الظهر انفجرت وأدت إلى بتر يدي ورجلي. صار عندي حب أن أعمل في مجال الأطراف الصناعية كي أساعد الأشخاص الذين أصيبوا مثلي وكي أشعرهم بأن الألم الذي عاشوه قد عانى منه غيرهم، وكي نثبت للجميع أننا لسنا أقل من أي أحد، بل بالعكس سنكون أقوى لأن لدينا ما لا يملكه الآخرون. أشعر بأنني أقوى الآن بعد إصابتي."
الشاب أدهم نجدي
أدهم نجدي في أوائل العشرينات من عمره أصيب في صريفا بجنوب لبنان. غيرت الإصابة، التي أدت إلى بتر ساقه، حياته ولكنه يعتقد أنه ولد من جديد بعزم أقوى على الحياة.
"أصبت في عام 2006، ولكن إلى الآن مازال هناك أشخاص يصابون بسبب القنابل العنقودية لعدم وجود وعي كافي. بالنسبة لي فقد غيرت عيد ميلادي ليكون في الخامس عشر من أيلول، وسألني الناس لماذا فقلت لأنني في الخامس عشر من أيلول أصبحت إنسانا جديدا، تغيرت وتغيرت أشياء كثيرة في حياتي للأحسن."
على الرغم من المساحات الكبيرة المنتشرة بها الذخائر العنقودية، يعتبر لبنان مثالا يحتذى به لما حققه من إنجاز على هذا الصعيد.
فقد تم تأمين سبعة وستين في المائة من الأراضي المتضررة، ولكن يتعين تكثيف العمل لإخلاء بقية الأراضي.
يمثل المدنيون ثمانية وتسعين في المائة من ضحايا القذائف العنقودية، أما الأطفال فيشكلون ثلاثة وثلاثين في المائة من الضحايا.
وتتحدث أنا ماكدونالد من منظمة أوكسفام عن السمة العشوائية لتلك الأسلحة فهي لا تميز بين أهدافها بما يجعل المدنيين ضحيتها الأولى.
"إنها أسلحة عشوائية بشكل كبير، يتم إسقاطها في مناطق واسعة للغاية، ومن الصعب للغاية استهداف نقطة معينة ولا ينفجر الكثير منها عند سقوطه بل يظل كامنا على الأرض لسنوات أو حتى لعقود لذا تمثل القنابل العنقودية خطرا على المدنيين."
عادة ما توجد غالبية الألغام في المناطق المدنية لذا تزداد أهمية التوعية بمخاطرها لأن الأمر يلتبس على البعض، وخاصة الأطفال، فيعتقدون أن اللغم لعبة كما يقول ستيف غوس من منظمة هيومان رايتس وواتش التي تعنى بحقوق الإنسان.
"إن تلك الأشياء تبدو وكأنها لعب وخاصة القديم منها، فتشبه القنابل التي مازالت موجودة في لاوس وكمبوديا وفيتنام مثل الكرة. أما الأنواع الجديدة مثل التي استخدمتها إسرائيل في لبنان أو الولايات المتحدة في العراق تبدو مثل البطارية ويكون متصلا بها شريط جميل، وهذا الشريط هو الذي يجذب الأطفال."
في الثلاثين من مايو أيار من عام 2008 تبنت مئة وسبع دول اتفاقية حظر الذخائر العنقودية، وتحظر الاتفاقية استخدام وإنتاج وتخزين ونقل الذخائر العنقودية، وتلزم الدول بتطهير المناطق المتضررة خلال عشرة أعوام وتدمير المخزون خلال ثمانية أعوام مع تقديم المساعدة الشاملة للناجين وأسرهم ومجتمعاتهم.
وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من أغسطس آب عام 2010 لتصبح قانونا دوليا ملزما لجميع الدول الأطراف فيها.
تعمل دائرة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الألغام منذ عام 1997 لإخلاء العالم من الألغام الأرضية والذخائر المتخلفة من الحروب.
ديميتري تيتوف مساعد الأمين العام المعني بسيادة القانون والمؤسسات الأمنية يقول في هذا الإطار:
"إن مكافحة الألغام تعني تطهير الطرق والحقول والمناطق المحيطة بالمدارس والمستشفيات، إنها تعني كرامة الإنسان."
ماكس كيرلي مدير دائرة مكافحة الألغام يشير إلى أن الألغام هي أسلحة تبقى طويلا بعد أن يغادر الجنود أرض المعركة فتمثل خطرا مستمرا على السكان.
"إن الأمر يتعدى مجرد إزالة الألغام، فيشمل التوعية بمخاطر الألغام لتمكين الناس من تفهم وتجنب تلك المخاطر والدعوة لمحاولة إقناع الدول بالامتثال للمعاهدات الدولية والتخلص من الألغام وعدم استخدامها، ويتعلق بدعم الضحايا والمساعدة في إدماجهم في مجتمعاتهم وبتدمير مخزون الألغام حتى لا تستخدم مرة أخرى."
إن عملية إزالة الألغام عملية شاقة وخطرة، عادة ما تنفذ في ظل أوضاع صعبة وفيما تبلغ تكلفة صنع اللغم الأرضي بضعة دولارات تصل تكلفة إزالته إلى المئات.
خلال الأعوام الماضية سقط عدد من العاملين في مجال نزع الألغام أثناء تأدية واجبهم. ولكن تلك الخطورة التي ترافق كل دقيقة عمل لا تثني عزيمتهم كما يقول هذا الأفغاني الذي يعمل في مجال مكافحة الألغام:
"إننا قبلنا هذا الخطر لخدمة وطننا وشعبنا، لذا لا نشعر بالخوف بل نحن سعداء لأننا نسهم في إنقاذ إخواننا من تلك التهديدات."
فيروز علي عليزاده شاب في الثلاثين من عمره أصيب في طفولته عندما وطأت قدمه لغما أرضيا في أفغانستان عام 1996 ليخلف آثارا جسدية ستبقى معه طيلة حياته.
"لم أكن مشاركا في أي جيش بل كنت تلميذا، بعد الانفجار اعتقدت أنني سأموت لأن قدمي اليسرى اختفت تماما وغطى الدم ذراعيّ وساقيّ. كانت نجاتي معجزة لأن وصولي إلى أول مكان إسعاف تمكن من وقف نزيف الدم استغرق سبع ساعات، وبعد نحو ثلاث عشرة ساعة وصلت المستشفى التي خضعت فيها لعملية جراحية. كانت معجزة لكنها لا تتكرر مع كل ضحية وكل شخص تطأ قدمه لغما أرضيا."
عليزاده هو مدير الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.
وكان يتحدث في مؤتمر صحفي مشترك مع الأمم المتحدة في جنيف لإطلاق حملة عالمية أطلق عليها Lend your Leg Lend your Leg لإخلاء العالم من الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحروب التي تنتشر ملايين منها في أكثر من مائة دولة ومنطقة بالعالم.
في عام 2008 وحده تمت إزالة أربعة وثمانين ألف لغم أرضي مضاد للأشخاص في أفغانستان، وفي السودان تمكنت دائرة الألغام بالأمم المتحدة من تطهير طرق تمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات بما مكن السكان من ممارسة أنشطتهم وحياتهم الطبيعية وسهل توصيل المساعدات الإنسانية.
ويؤكد ماكس كيرلي رئيس دائرة الألغام إمكانية حل هذه المشكلة في غضون سنوات معدودة.
"إن مشكلة الألغام يمكن أن تحل خلال سنوات وليس عقودا إذا تمكنا من توفير التمويل اللازم لذلك."
نبعت حركة حظر الألغام الأرضية من المجتمع المدني وضغط شعوب العالم على حكوماتهم للتخلص من تلك الآفة، ومع الوعي المتنامي وتكثيف الجهود يبدو تحقيق الهدف أقرب من أي وقت مضى كما يقول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
"إن هدف إخلاء العالم من الألغام الأرضية أصبح الآن احتمالا قابلا للتحقيق ولكن مازال الكثير الذي يتعين فعله."
لا يقتصر دور دائرة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام على إزالة تلك الأسلحة فحسب بل وتعمل أيضا على مساعدة الضحايا الذين تعد شجاعتهم وعزيمتهم على النجاح في حياتهم مصدر إلهام للجميع.
الشاب اللبناني حسين غندور يتمنى أن يتحد الجميع ضد القنابل العنقودية التي أفقدته ساقه ويده.
"أتمنى من كل العالم والأشخاص الوقوف معا ضد القنابل العنقودية ومن يصنعها ويستخدمها، إن هذا اللغم لا يعرف من سيصيب أو يقتل فيكون ثلاثة أرباع ضحاياه من الأبرياء. إن هناك بعض المناطق التي لا يستطيع الناس الوصول إليها."
بعد أكثر من عامين على إصابة الطفل محمد عبد العال بقنبلة من مخلفات حرب 2006 تم تركيب طرف صناعي له، وهو اليوم يعيش حياته بشكل عادي بقدر الإمكان ويمارس رياضة كرة القدم مع فريق من الناجين من الألغام. يأمل محمد أيضا أن يواصل تحصيله العلمي ويتمنى أن تزال جميع القنابل العنقودية من جنوب لبنان ليعيش مع أسرته وأصدقائه بسلام وأمان.
وفي ختام البرنامج نشكركم على المتابعة ونتطلع إلى تلقي تعليقاتكم على فيسبوك وتويتر @unradioarabic .
شكرا لمساعد الإنتاج نبيل ميداني، ولكم أخلص أمنياتي ريم أباظة.