مقابلة حصرية لفيسك مع وليد المعلم
أجرى وزير الخارجية السوري وليد المعلم أول مقابلة حصرية لصحفي غربي منذ بداية الأزمة في سوريا، وكانت مع الكاتب في صحيفة ذي إندبندنت البريطانية روبرت فيسك.
واستهل فيسك المقابلة -التي أجراها أمس في مكتب المعلم- بأن المعركة من أجل دمشق يمكن سماعها داخل مكتب الوزير، حيث اخترق دوي مدافع الهاون ونيران الدبابات القادم من ضواحي العاصمة مكتبه الخاص الذي كان يضاهي في خطورته الكلمات الصادرة من الرجل.
وبدأ المعلم حديثه بأن أميركا هي التي تقف وراء العنف في سوريا الذي لن ينتهي حتى بعد انتهاء المعركة من أجل حلب. وقال المعلم "أقول للأوروبيين: أنا لا أفهم شعاركم عن رفاهية الشعب في حين أنكم تؤيدون 17 قرارا ضد مصلحة الشعب السوري. وأقول للأميركيين: يجب أن تستوعبوا جيدا ما فعلتموه في أفغانستان والصومال. وأنا لا أفهم شعاركم عن مكافحة الإرهاب الدولي، في حين أنكم تدعمون هذا الإرهاب في سوريا".
وأشار فيسك إلى أن وليد المعلم تحدث باللغة الإنجليزية وببطء شديد، إما بسبب الضجيج المقلق في الخارج، أو لأن هذه هي مقابلته الأولى مع صحفي غربي منذ بداية الأزمة السورية. وأضاف أن الصراع بين الثوار والقوات الحكومية في ضواحي دوما وجوبر وعربين والقابون -حيث أُسقطت مروحية هناك- "أصبح مدويا جدا لدرجة أنه حتى أكثر وزراء الخارجية رباطة للجأش في منطقة مصابة ببلاء الفصاحة الفارغة المحتوى ألقى نظرة خاطفة نحو النافذة". وسأله فيسك وقتها كيف كان شعوره عندما سمع هذا الدوي.
الأيام الخوالي
وكان رد المعلم "قبل أن أكون وزيرا أنا مواطن سوري، وأشعر بالحزن من رؤية ما يحدث في سوريا، مقارنة بعامين فائتين. وهناك كثير من السوريين مثلي تواقون لرؤية سوريا تعود للأيام الخوالي عندما كنا فخورين بأمننا".
وعلق الكاتب بأنه لديه شكوكه بشأن عدد السوريين الذين يتوقون لعودة "الأيام الخوالي"، وقال إن المعلم يزعم أن ربما 60% من العنف في البلاد يأتي من الخارج، من تركيا وقطر والسعودية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي تمارس نفوذها على كل الآخرين.
وقال المعلم "عندما يقول الأميركيون نحن نزود المعارضة بمعدات اتصال لاسلكية متطورة، أليس هذا جزءا من مجهود حربي، وعندما يمدون المعارضة بـ25 مليون دولار وأكثر من ذلك بكثير من الخليج والسعودية؟".
ويذكر فيسك أنه قبل عام قال للمعلم إنه تناول الغداء مع أمير دولة قطر الذي احتد وقتها بسبب ما وصفها بأكاذيب بشار الأسد، قائلا إن الرئيس السوري تراجع عن اتفاق للسماح لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين السورية بالعودة إلى الوطن.
وأضاف المعلم "إذا كنت قابلت نفس الأمير قبل عامين فقد كان يمتدح الأسد ويعتبره صديقا عزيزا. وقد اعتادا أن يكون بينهما علاقات أسرية، حيث تقضي الأسرتان العطلات في دمشق وأحيانا في الدوحة. وهناك سؤال مهم هنا: ماذا حدث؟ لقد قابلت الأمير في الدوحة -أعتقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2011- عندما بدأت الجامعة العربية مبادرتها (التي أدت إلى إرسال مراقبين لسوريا) وتوصلنا إلى اتفاق".
وقال المعلم إن الأمير وعد بدعم الاتفاق ماديا ومعنويا.
وأشار الكاتب إلى أنه فيما يتعلق بقوة أميركا، لم يكن لدى وليد المعلم أدنى شك. فهو يقول إن الأميركيين نجحوا في إخافة دول الخليج بشأن قدرات إيران النووية، وأقنعوهم بشراء أسلحة من واشنطن لتحقيق حلم الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت عام 1936 بالحفاظ على قواعد لنقل النفط.
وقال المعلم "نحن نعتقد أن الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي ضد سوريا والباقي أدواتها". وهنا سأله فيسك: ألم يكن كل هذا حقا عن إيران؟
مجموعات مسلحة
ورد المعلم على فيسك بقوله "أنت تضحك، لكن أحيانا عندما تكون وزير خارجية فأنت مضطر لقراءة هذه الأشياء، وكان هناك دراسة لمعهد بروكينغ تسمى: الطريق إلى طهران، ونتيجة هذه الدراسة كانت: إذا أردت أن تحتوي إيران فيجب أن تبدأ بدمشق...".
وأضاف المعلم "لقد أُبلغنا -عن طريق مبعوث غربي في بداية هذه الأمة- أن العلاقات بين سوريا وإيران، وسوريا وحزب الله، وسوريا وحماس، هي العناصر الرئيسية وراء هذه الأزمة. وإذا سوينا هذه المسألة فإن الأميركيين سيساعدون في إنهاء الأزمة. لكن لا أحد أبلغنا لماذا محرم على سوريا أن تكون لديها علاقات مع إيران، في حين أن معظم -إن لم يكن كل- دول الخليج لديها علاقات مهمة جدا مع إيران".
وأشار فيسك إلى أنه فيما يتعلق بوزير الخارجية السوري فإن الأزمة بدأت مع "مطالبات مشروعة" قدمت لاحقا على أنها "تشريع وإصلاحات، بل وحتى وضع دستور جديد". ثم جاءت معها "عناصر أجنبية" استخدمت هذه المطالب المشروعة لـ"اختطاف جدول الأعمال السلمي للشعب".
وأومأ الكاتب إلى القصة المألوفة التي يرددها الوزير "أنا لا أقبل كمواطن العودة إلى الوراء قرونا لنظام يمكن أن يعيد سوريا للخلف. ومن حيث المبدأ... ليست هناك حكومة في العالم يمكن أن تقبل مجموعة إرهابية مسلحة -بعضها آتٍ من الخارج- تسعى للسيطرة على الشوارع والقرى باسم الجهاد. وقد كان من واجب الحكومة السورية أن تحمي مواطنيها. والأسد يمثل وحدة سوريا، وكل السوريين يجب أن يشاركوا في تشكيل مستقبل جديد لسوريا. وإذا سقطت سوريا فإن الدول المجاورة لها ستسقط. وأشار فيسك إلى أن المعلم ذاهب إلى قمة عدم الانحياز في إيران غدا لتلميع ما يسميها "الجهود البناءة" لمساعدة سوريا.
وعندما سأله فيسك عن الأسلحة الكيميائية -إذا كان لدى سوريا مثل هذه الأسلحة- قال المعلم إنهم لن يستخدموها أبدا ضد شعبهم. وقال "نحن نقاتل مجموعات مسلحة داخل حلب وفي ضواحي دمشق، وقبل ذلك في حمص وإدلب، وهذا يعني قتالا داخل المدن السورية، ومسؤوليتنا هي حماية شعبنا".
وعندما ذكر له الكاتب أن مليشيا الشبيحة السيئة السمعة متهمة بارتكاب فظائع في الريف، قال المعلم إنه لا يعتقد وجود هذه المليشيا. وقال إنه "ربما يكون هناك أناس غير مسلحين يدافعون عن ممتلكاتهم من المجموعات المسلحة، لكن أن تكون هناك مليشيات موالية للنظام فهذا مُحال". وختم فيسك بأنه لا توجد اتهامات بجرائم حرب ضد وزير الخارجية السوري، لكن المدافع ما زالت تدوي خارج نافذته.