مأزق إسرائيل بعد سقوط مبارك
تراقب إسرائيل ما يجري في مصر بعيون مفتوحة لكنها بلا يقين، فمصر التي ظل شعبها أكثر من ثلاثين عاما وهو يعاند التطبيع، تبدو اليوم عدوا مفترضا أكثر من كونها صديقا لدودا، وما حدث بعد ثورة يناير وتحولاته على البلاد والناس يفرض نفسه بقوة على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، بعد حرمان تل أبيب من حليف كان يمنحها الكثير من الاطمئنان.
ورغم أن القضايا الداخلية غلبت على انشغالات ثورة يناير، إلا أن المؤشرات المحدودة لمواقف الثوار من إسرائيل، كانت كافية لإثارة مخاوف إسرائيلية جدية وجوهرية، لا سيما وأن تل أبيب تعلم أن ما حدث في مصر جسيم وكبير، وأن سقوط نظام حسني مبارك هو نقطة فارقة وخسارة كبيرة لصديق قوي كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر.
والحقيقة أن إسرائيل لا تضيع وقتا في محاولة تأمين مخاوفها، فمارست من خلال الولايات المتحدة ضغطا مباشرا على القاهرة لعدم المساس بأية ترتيبات أمنية وسياسية، وكثفت بعد الثورة نشاطها التجسسي، فاعتقلت المخابرات المصرية في بضعة شهور عدة جواسيس وشبكات تجسس تضم مصريين وإسرائيليين.
فتح الملفات
وحسب الدكتور طارق فهمي الخبير المتخصص بالشؤون الإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، فإن القلق في تل أبيب من الثورة بمصر يعود لأسباب مختلفة منها المخاوف من فتح القاهرة لملفات ظلت مغلقة ومركونة منذ كامب ديفيد، ومنها حقوق الأسرى والتعويضات عن سنوات احتلال سيناء، والمطالبة بعودة دير السلطان بالقدس لسيادة الكنيسة المصرية، وتعديل البندين ج ود من اتفاقية كامب ديفيد، ومناقشة ممر صلاح الدين على الحدود مع غزة، فضلا بالطبع عن موضوع اتفاقية الغاز.
ويضيف فهمي أن إسرائيل تتخوف من أن تبادر أية حكومة مصرية بعد الثورة إلى إعادة طرح معاهدة كامب ديفيد للنقاش والتعديل، ولذلك بدأت إسرائيل منذ فبراير/ شباط الماضي بالسعي نحو ترتيبات أمنية في سيناء، ترافقها طلبات بزيادة المساعدات الأميركية وإعادة تشكيل بعض القوات العسكرية مع مصر بما في ذلك بناء قدرات إستراتيجية معينة وخفض وقت الإنذار اللازم للتعبئة والحرب.
لكن الذهاب إلى مواجهة (التهديد) المصري بتطوير الوسائل العسكرية ليس نهاية المطاف في ما تمتلكه إسرائيل من أوراق مواجهة، فتل أبيب كما يقول فهمي يمكن أن تلجأ للقوى والمنظمات الصهيونية في العالم لحمل وسائل الإعلام على خلق مناخ من الشائعات الإعلامية عن عدم الاستقرار والفوضى التي تقود لهروب الاستثمارات وانهيار الاقتصاد، وهو أمر سيعززه طبعا ضغط من دول ومؤسسات غربية تحرضها إسرائيل لتضع مصر في زاوية الحرج الاقتصادي والسياسي الذي تعتقد تل أبيب أنه سيفشل الثورة.
المأزق الإسرائيلي
لكن هذا الخيارات الإسرائيلية لن تكون سهلة، ليس لأنها غير ممكنة، بل لأن نتائجها ستتسبب بمشكلات جسيمة لإسرائيل ذاتها، وأبرزها تهديد حالة السلام مع مصر التي تعتبرها تل أبيب أهم منجز لها منذ قيامها، فمصر عندها أيضا أوراق ضغط مقابلة من بينها إعادة فتح ملف اتفاقية الكويز، وتجميد الاتصالات الأمنية، ووقف تقديم معلومات حول قطاع غزة، فضلا عن أهم ما تخشاه إسرائيل وهو عودة مصر لدورها العربي التقليدي المسؤول، خارج دائرة التحريض والتنسيق وحتى التوجيه الأميركي والإسرائيلي.