الحياة زمن الحرب
اللحظات التي يتغير فيها كل شيء من عادي إلى غريب تماما هي لحظات الحرب في كل الحروب. كيف يكون الإحساس بالحياة عندما تبدأ الحرب؟ كيف تعرف أن اللحظة التي يجب عليك أن تجمع فيها حاجياتك وتغادر البلاد قد أزفت؟
نشرت صحيفة نيويورك الأميركية اليوم تقريرا لمراسلتها جانين دي جيوفاني التي كانت بسوريا قبل أسبوعين عن حياة الناس وقت الحرب هناك، ومقارنة ذلك مع أوضاع الناس الذين عايشوا الحروب في مناطق أخرى. وقالت إنها شاهدت حروب البوسنة والهرسك، العراق، أفغانستان، سيراليون، الشيشان، كوسوفو، ساحل العاج.
تقول جيوفاني بالنسبة للناس العاديين تبدأ الحرب بضربة مفاجئة مثل أن تكون مشغولا بمواعيد مع طبيب الأسنان أو ترتب لدروس خصوصية لابنتك، وفجأة يتوقف كل شيء. تتوقف ماكينات الصراف الآلي التي كانت تعمل كل يوم ويتوقف رنين الهاتف النقال الذي كان ينبهك كل لحظة.
يختفي الآباء
تنتصب الحواجز في الشارع، ويعيّن الجنود في الخدمة ويعمل الجيران لتشكيل دفاعاتهم الذاتية. يُغتال الوزراء وتدخل البلاد في فوضى. يختفي الآباء. وتغلق البنوك وتتلاشى النقود والثقافة والحياة التي يعرفها الناس.
وتؤكد مراسلة نيويورك في تقريرها للصحيفة أن دمشق تعيش الآن هذه اللحظات.
قالت جيوفاني إنها مكثت بسوريا حوالي أسبوعين بهذا الشهر ولمست أن الخوف الذي يأتي مع الحروب الأهلية قد حل بالشام. السيارات المفخخة تنفجر بالطرقات، إطلاق نار على محطة تلفزيون حكومية. الصليب الأحمر يعلن أن الثورة الشعبية التي استمرت 17 شهرا قد تحولت إلى حرب أهلية.
لا يستطيعون الإنكار
وتوضح أن إعلان الصليب الأحمر يعني أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يسري حاليا على جميع مناطق البلاد، كما يعني أن السوريين لا يستطيعون بعد الآن، كما يفعل البعض، إنكار أن بلادهم في حالة حرب وأن الحياة التي عاشوها قد وصلت إلى نهايتها.
وتستمر جيوفاني لتقول إن الحياة اليومية كانت تُمارس خلال فترة زيارتها القصيرة لسوريا كما تُمارس في كل مكان بالعالم "شاهدتُ حفلات أوبرا في أجمل مسارح الأوبرا بالشرق الأوسط، وحفلات أعراس حيث احتفالات الزوجين تتضمن كل التفاصيل إما السنية، أو الشيعية". وتعلق قائلة "كل هذه النشاطات كانت جزءا من حياة مستمرة على نحو ما، لكنها الآن تتلاشى إلا من الذاكرة، بينما الحرب الأهلية تدق أبواب سوريا".
وتقول أيضا: كان هناك تيار من التوتر وخوف لم يتجل بكامله بعد بأن الصراع الذي استمر 17 شهرا سيقتحم أبواب دمشق، وبدأ الناس يغادرون العاصمة، والسفارات لا تستقبل أحدا، وأحياء برزة والميدان "حيث مشيتُ في شوارعهما قبل أسبوعين بعد صلاة الجمعة" تحولت الآن إلى مناطق ممنوع السير فيها، وأصبحت معاقل للمعارضة.
الحرب بأبيدجان
وتستعيد جيوفاني إلى ذاكرتها موقفا عاشته بإحدى الأمسيات بأبيدجان عاصمة ساحل العاج عام 2002 حيث ذهبت إلى النوم بعد عشاء فاخر بمطعم فرنسي. وقالت إنها وجدت أن هاتفها النقال لا يعمل وكذلك خدمة البث التلفزيوني والإذاعي بالعاصمة "استولى المتمردون على محطة التلفزيون وأطلقوا وابلا من النيران في السماء. وكنت في حديقتي أستطيع شم رائحتي أشجار المانغو وكذلك المنازل المحروقة".
واستمرت تقول إن الحي الذي أقامت به تم حرقه. وأشارت إلى أن فترة الـ24 ساعة بين السلام والحرب منحتها وقتا كافيا لجمع جواز سفرها وحاسوبها الشخصي، للهروب إلى فندق بوسط المدينة "ولم أعد مرة ثانية إلى منزلي ولأشجار المانغو التي أحببتها".